بما يشبه الإعدام، توفي الموقوف الستيني عدنان ذبيان في نظارة مكتب مكافحة المخدرات المركزي في بيروت (المعروف بمخفر حبيش). اكتفى بيان المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بإعلان أن «الوفاة طبيعية نتيجة اشتراكات مرضية»، وطمس واقعة أن هذه «الاشتراكات» نتجت من ظروف التوقيف التي تتنافى مع أدنى المعايير، من أي نوع كانت
هل مات الموقوف عدنان ذبيان بذبحة قلبية؟ ربما. لكن بصرف النظر عن السبب المباشر للوفاة، فإن الرجل قُتِل عمداً. قتلته الدولة. فعندما يُحشر 27 موقوفاً في غرفة تتسع لـ 3 موقوفين فقط، فهذا يعني الحكم عليهم جميعاً بالموت. وبما أن ذبيان، بحسب بيان المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، توفي بسبب توقف عمل الرئتين، فهذا يؤكد نظرية القتل العمد لا «الوفاة الطبيعية». ففي تلك الحجرة، يتكدس 27 موقوفاً، بعضهم فوق بعض، محرومين من النوم والهواء النقي والشمس، ويُجبر المريض الموقوف فيها على استنشاق دخان سجائر باقي الموقوفين، لمدة شهرين، دونما أي اعتبار لوضعه الصحي، ومن دون ان يتخذ أي مسؤول قراراً بإخراجه من «حجرة الإعدام».
وفي مقابل «أبناء الجارية» المسجونين في غرفة لا تصلح لحجز الحيوانات، يجلس «ابن الست»، «أمير الكبتاغون»، عبد المحسن بن وليد آل سعود الذي ضُبط مُتلبّساً بحيازة 2 طن من المخدرات في مطار بيروت الدولي في تشرين الأول 2015، في غرفة مكيّفة، مشمسة، يصل إليها الطعام الساخن، والثياب من المصبغة، بوجود هاتف خلوي، وزيارات مفتوحة، و«كوافور» يرتّب له شعره، ويهتم بنضارة بشرة وجهه. «صاحب السمو» يعيش ملكاً في المبنى نفسه الذي تقع فيه «حجرة الإعدام». وبالتأكيد، لا الإعلام يتناول حال الأمير السعودي، ولا يجرؤ سياسي على طرح السؤال عن الامتيازات التي يتمتع بها، ويُكتفى بتصديق أن ذبيان مات ميتة طبيعية. مجدداً، ذبيان لم يمت. الدولة قتلته عمداً. والدولة هنا تعني السلطة السياسية، وكل أذرعها في القضاء والأمن.
أول من أمس، أصيب الموقوف ذبيان بعوارض ذبحة قلبية أثناء وجوده في نظارة مكتب مكافحة المخدرات المركزي. الرجل المتهم بزراعة حشيشة الكيف تجاوز الستين. ولم يكد يُنقل إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت حتى توفي. لم يتأخر بيان قوى الأمن ليعلن أن «الوفاة طبيعية نتيجة اشتراكات مرضية». لم يُشر البيان إلى ظروف التوقيف في نظارات المخافر والفصائل، ولم يذكر أن أمراً فورياً صدر بعد وفاة ذبيان بنقل 22 موقوفاً من النظارة التي توفي فيها الموقوف.
داخل هذه النظارات، لا حقوق إنسان ولا «شرطة مجتمعية». غرفة طولها متران ونصف متر وعرضها متران يُحشر فيها 27 موقوفاً. حمامها بلا باب، فتحة لقضاء الحاجة مع حنفية يتيمة ومن دون مكان لاستحمام الموقوفين. ينام ثلثهم «كعب وراس»، فيما يتسمر الباقون وقوفاً حتى يحين دورهم للنوم. وحكماً فإن مكان الوافدين الجدد من الموقوفين أرض الحمام. لا يوجد فراش ليناموا عليه. رائحة التعرق ودخان السجائر والعفن هي الطاغية. الظروف الصحية لا ترقى إلى تلك الموجودة في الزرائب. وإذا حصل واشتكى أحدهم، فإن زملاء النظارة قبل رتباء التحقيق كفيلون بإسكاته. بين هؤلاء، موقوف مصري منذ سبعة أشهر لم يُنقل إلى المحاكمة لأن ملفّه ضائع. موقوفٌ آخر أُرجئت جلسته مراراً بعدما رفض قاضي التحقيق استجوابه في قصر عدل بعبدا بسبب رائحته الكريهة. لم يحتمل القاضي المذكور دخوله إلى مكتبه، فطلب من العناصر إخراجه بسبب رائحته النتنة.
حال نظارة مكتب مكافحة المخدرات المركزي ليست أفضل من نظارة مكتب حماية الآداب التي تتسع لستة أشخاص، لكن يُكدّس فيها 54 موقوفاً. الاكتظاظ في السجون ونظارات التوقيف تدفع عناصر مكتب مكافحة المخدرات المركزي إلى استخدام نظارات كل من مكتب حماية الآداب ومكتب مكافحة القمار لوضع موقوفيهم على سبيل الوديعة. وبحسب المعلومات، فإن نظارة المكتب الأول دُكّ فيها 54 موقوفاً، ليوضع في نظارتي مكتب مكافحة القمار 27 موقوفاً في كل نظارة مجهّزة أصلاً لثلاثة أشخاص. وقد دفع ذلك القيمين على هذه الفصائل إلى عدم التحرك لتوقيف أحد، إلا إذا كان الأمر في غاية الضرورة. أصلاً، لا أحد يفهم لماذا يعطي القضاء إشارته بالتوقيف، طالما لم يعد هناك أماكن تتسع للمطلوبين. أين جمعيات حقوق الإنسان؟ أين المنتفعون والفاسدون الذين يستجدون أموال الهيئات الدولية تحت حجة مراعاة حقوق الانسان؟ لماذا لم يُسمع لهم صوت في مأساة التوقيف الاحتياطي؟ أين لجنة حقوق الإنسان في قوى الأمن أو في نقابة المحامين المفترض فيها الدفاع عن الحقوق؟ لم ينتفض هؤلاء حتى عندما أمر رئيس مكتب مكافحة المخدرات العميد غسان شمس الدين بمنع دخول المحامين وإجراء المراجعات من أسفل المكتب. يقول أحد المحامين لـ«الأخبار»: «نجري مراجعاتنا من على الرصيف أمام المبنى بواسطة الحرس، والعميد رئيس المكتب رفض مقابلة محامٍ كان بحوزته إذن من النائب العام». لم يتحرك هؤلاء للاحتجاج على ظروف توقيف وكلائهم ولم تستوقفهم تجاوزات لا تعد ولا تحصى تجري في أروقة المكتب المذكور. إذ لدى التدقيق في محاضر التحقيق، عند المرور على نص المادة من أصول المحاكمات الجزائية التي تمنح الموقوف حق الاتصال بأحد أفراد عائلته ولقاء محامٍ وعرضه على طبيب، تستوقفك تكرار عبارة : «لا أرغب في الاستفادة منها حالياً». هذه العبارة موجودة في جميع محاضر التحقيق بشكل يثير الشبهة. فهل يُعقل أن أحداً من الموقوفين لم يطلب رؤية محام أو الاتصال بعائلته؟
التجاوزات لا تقف عند حد. وهناك عوامل عديدة تساهم في إطالة أمد التوقيف. أحياناً يبقى الموقوف أشهراً في النظارة من دون عرضه على قاضي التحقيق بشكل مخالف للقانون، الذي يفرض عرضه على القاضي ضمن مهلة ساعة لإصدار مذكرة بتوقيفه أو تركه. كما أنه في أحيان كثيرة، يتمنع عناصر الفصيلة عن سوق الموقوفين الى المحاكمة تحت ذرائع مختلفة، ما يتسبب بتأجيلها. ذرائع واهية من عدم وجود آليات، إلى عدم وجود عسكر كافٍ...
بينما ترك عدنان ذبيان يموت في غرفة الإعدام، لم يكن الأمير السعودي وحده من يتنعم بـ«سجن ملكي». مرافقه يحيى الشمّري والأميركي كيران هنغز وموقوفان آخران في غرفة مخصصة لهم وحدهم، مكرمة من «الأمير»، وأمر من رئيس المكتب. مع الإشارة إلى أنه إذا غضب الأمير من أحد هؤلاء، فإن غضبه يُترجم بنقله فوراً إلى النظارة المكتظة.